رسائل الجوال الخادعة
الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند
إن رسائل الجوّال الدعائية، التي توهم المستقبل بأن هناك جائزة كبيرة في انتظاره إذا اتصل على الرقم المدوّن أسفل الرسالة والذي يبدأ بالرقم (700) وأقل تكلفة للدقيقة الواحدة سبعة ريالات..!! نوع من أنواع المكر والخديعة لأمة الإسلام وعلى الجميع التنبه والتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة من خلال معرفة حكمها الشرعي والضرر الذي يلحق المتعاملين بها.
* الرأي حول هذه الظاهرة؟
هذه الظاهرة من الظواهر السيئة في هذا الزمن، لما تشتمل عليه من الاحتيال، وأكل أموال الناس بالباطل، وهي أيضاً دليل على قلّة الوعي لدى المستقبلين، وتهافتهم على الأوهام وما يشبه السراب دون النظر في العواقب.
* أمّا حكم التعامل مع هذه الجهات فهو محرّم، وهو من القمار والميسر الذي حرّمه الله - عز وجل
* ومن شارك وحصل على الجائزة فلا يجوز له أخذها، لأنّها سحت، وعليه أن يتخلّص منها يصرفها أو ثمنها في أعمال البرّ. مع التوبة إلى الله - عز وجل - من هذا العمل.
* أمّا الأدلّة التي تنطبق على مثل هذه الظاهرة، فمنها قوله - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (الأنعام: 90).
وقوله - تعالى -: ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)) (البقرة: 219).
ففي الآية الأولى قرن الله الميسر بالخمر والأنصاب (وهي الأصنام)،
والأزلام (وهي الأقداح التي كان يتطيّر بها أهل الجاهلية)، وبيّن - سبحانه - أنّ كل هذه المذكورة رجس من عمل الشيطان، أي: نَجَس، وهي نجاسة معنوية على الصحيح. وفي الآية الثانية بيّن الله - عز وجل - أنّ في الخمر والميسر منافع للناس من أمثال المكاسب الماديّة من جرّاء بيعها والمتاجرة بها، أو ما قد يحصّله المقامر من المال الحرام، لكنّ ذلك مغمور في مقابل ما فيهما من الإثم، ويظهر ذلك من وجوه:
أحدها: تقديم الإثم على المنافع.
الثاني: إفراد الإثم مع وصفه بأنّه كبير، وجمع المنافع، مما يدلّ على أن تلك المنافع مغمورة في بحر ذلك الإثم الكبير.
الثالث: التصريح بأن إثمهما أكبر من نفعهما، والقاعدة الشرعية أنّ دفع المفاسد مقدّم على جلب المصالح. هذا مع العلم بأنّ هذه الآية قد نسخت بالآية السابقة، والتي فيها التصريح بأنّ الخمر والميسر رجس من عمل الشيطان. وأنّ الواجب اجتنابهما.
* وأمّا دور أهل العلم تجاه هذه الظاهرة، فإنّ الواجب عليهم جميعاً أن يتصدّوا لمثلها، العالم في درسه وإفتائه، والخطيب على منبره، والكاتب في كتاباته، والإعلاميّ في وسيلته الإعلامية، حتى ينتشر الوعي بين الناس، ويحذروا من هذه الظاهرة وأمثالها.
* أمّا القول بأنّها نوع من التقدّم التقني وثورة الاتصالات.. فأقول: نعم، إنّه تقدّم، لكنّه إلى الوراء، فإنّ من المعلوم عند كلّ ذي عقل أنّ هذه التقنيات سلاح ذو حدّين، فإذا استخدمت فيما ينفع الناس، وييسّر لهم أمورهم، كان ذلك محموداً، وتقدّماً إلى الأمام. وأمّا إذا استخدمت فيما يضرّ، من ابتزاز أموال الناس وأكلها بالباطل، أو إفساد الناس وتضليلهم، فإنّ ذلك تأخّر وتخلّف.
* أمّا الطريقة المناسبة للحدّ من هذه الظواهر، فلا يكون إلا باجتثاث هذا الشرّ من جذوره، وذلك بملاحقة تلك الجهات المشبوهة، وسحب التراخيص منها، ومعاقبتها، وعدم تمكينها من القيام بهذه العمليات، وأقترح إنشاء هيئة عليا على مستوى الدول العربية والإسلامية لحماية الناس من عمليات النصب والاحتيال بجميع أنواعها والتي تقوم بها هذه الجهات، ووضع الحلول العملية الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة.
15/8/1426 هـ