سامحني يا ولدي
أم غسان
جاء ذات يوم ليقول لها: قررت إدارة المدرسة الخروج بنا في اليوم الفلاني لرحلة ترفيهية ، مطلوب مبلغ كذا رسوم الاشتراك ووعدت بجلب كذا من الطعام والشراب وأريد مبلغ كذا لكي ألعب أنا ، حين أعطته والدته عشرة جنيهات لكي يلعب حوالي خمس ألعاب أو ينفق هذه العشرة كيفما أراد ، احتج طفلها صاحب العشرة سنوات قائلاً : أمي صديقي فلان ستعطيه والدته عشرين جنيهاً ، حينها أجلسته والدته وأمسكت بذراعيه وسألته هي : صديقك هذا أسمر اللون أم أبيض ؟ دٌهش طفلها وأجابها أنه أسمر فقالت له والدته أنت أبيض البشرة أليس كذلك ؟ أجابها طفلها نعم ، سألته مرة أخرى هل صديقك هذا متفوق عليك في الدراسة أم أنت من تفوقه ؟ أجابها أنا أفوقه ، قبل أن تواصل الأم سألها ابنها ما علاقة طلبي بأسئلتك هذه ؟ أجابته الأم أريدك إبني أن تعلم أن الأرزاق بيد الله عزوجل وحده سبحانه وتعالى ، نحن نبذل الأسباب فقط لكن رُزقك قد قُسم لك وأنت في رحمي وعمرك أربعة أشهر ، عليك أنت تعلم يا بني أنّ الله حكم عدل ومعنى حكم عدل أنه لا يظلم أحدا ، هذه الحقيقة الأولى
الحقيقة الثانية : أنّ الدنيا إنما سميت دنيا لأن الإنسان لا تتحقق فيها كل رغباته فقد يمنحك الله المال ويحرمك الصحة وقد يحرمك الجمال ويمنحك الذكاء وهكذا لله سبحانه في خلقه شؤون
الحقيقة الثالثة : أنّا عبيد الله سبحانه يفعل بنا ما يشاء وهو لا يسأل عمّا يفعل ، أرايت يا بني لو كانت لك ( لعبة) هي ملك لك أليس من حقك أن تفعل فيها ما تشاء حتى لو حطمتها ، لن يسائلك أحد أليس كذلك ؟ أجاب طفلها : بلى يا أمي ، قالت له أمه : ولله المثل الأعلى لكن الله سبحانه لا يفعل شيئاً عبثا وله حكمة ربما تعلمها أنت وربما لا تعلمها لكن هو سبحانه له غاية مما يفعله
الحقيقة الرابعة : يا بني أنّ الله سبحانه خلقنا ليمتحننا مثلما يمتحنونك أنت في المدرسة والناجح عند الله سبحانه من أتقن العبودية ...
الحقيقة الخامسة والأخيرة : أن هذه العشرة هي أقصى ما يسمح به وضعي المالي وأنا لم أبخل قط عليك بشيء
دار هذا الحوار بين الأم وطفلها ، وهنا أقول أنا (أماني) لا يستهجن البعض أو يستنكر أو يسخر أو يندهش ، ليس بالضرورة أن تكون مفردات هذا الحوار هي ذات المفردات لكن المعاني هي ذات المعاني وهي المهمة وهي المطلوبة ...
من صميم تربيتنا لأبنائنا بل من أولى أوليات تربيتنا وتعليمنا لهم أن نعرفهم بالله سبحانه ، أن نغرس فيهم توحيده ونخاطبهم في ذلك باللغة التي يفهمونها ، مثال يسير إذا أخبرناهم بأننا سنخرج بهم في رحلة فبدلاً من تكون صيحات الفرح هي جوابهم ، نعلمهم أن يحمدوا الله أولاً ( الحمد لله على هذه النعمة ، الحمد لله على هذين الوالدين ) ...وهكذا
لم ننه قصتنا ، مرّ أسبوع من الرحلة وجاء يوم خاطب فيه أحمد – بطل قصتنا – خاطب أمه : أودّ أن أخبرك خبراً لكن عديني أن لا توبخيني وتعنفيني ( عليك الله ما تشاكليني) - ربما كانت أمه عنيفة بعض الشيء وربما كان هو طفلاً لديه نوع من الخوف وربما كان الأمران معاً - أخبرها أنه في يوم الرحلة السابقة طلب منه أحد أصدقائه أن يحتفظ له بلعبته حتى يُكمل هو لهوه ، أضاع أحمد اللعبة فطالبه صديقه بأن يدفع غُرمها ............... ( ما رأيكم في أطفال اليوم ؟) ، لم يُعطه أحمد ما أراد رغم أنه كانت معه العشرة جنيهات ، تُرى إن وبخته والدته على هذا الموقف منه أهي محقة ؟ أم أنها تكلفه بما لا يطيقه الأطفال ؟ .... استمر أحمد يحكي أن صديقه بعد مرور إسبوع على الرحله شكاه لمعلمه ، وهنا خاف أحمد العقاب وجاء ليطلب من والدته ثمن لعبة صديقه التي أضاعها ، أعطته والدته الثلاثة جنيهات ، وأمرته بأن يهجر صديقه هذا فهو لا يستحق صداقته ....
مرت الأيام وجاء يوم أعطت أحمد والدته ما يزيد عن مصروفه اليومي وطالبته بإرجاع الباقي لأنها لا تملك سوى فئة النقود هذه التي أعطتها إياه ، بنهاية اليوم جاء أحمد ليخبر والدته بأنه قد أنفق كل ما أعطته إياه ، سألته لم ؟ قال لها: لأنه أضاع مبلغاً طلب منه بعض أصدقائه أن يحتفظ له به فأُضطر إلى تعويضه إياه ، هنا ثارت ثائرة الأم وعنفت أحمد بشدة وامتدت يدها واحتّد صوتها : ألم أطلب منك ألاّ تقضي لأصدقائك حاجةً كهذه طالما أنت لا تصلح لها ؟
بكى أحمد وهو يقول: لقد سقطت مني النقود في زحمة طابور الإفطار .....لكن الأم كانت غضبى لا تسمع ولا ترى ....
خرجت والدة أحمد إلى عملها بعد أن أضافت إلى ذلك التوبيخ إنقاصها لمصروفه وبعد برهة من الزمن عاد إليها هدوئها ففكرت فيما حدث وحزّ في نفسها أنها عكرّت على ابنها مزاجه منذ الصباح وسيؤثر هذا على سائر يومه فانسابت دموعها رغماً عنها وسألت نفسها: ما الذي أغضبها حقيقةً ؟ أهو المال ؟ أم تصرف ابنها ؟ أم هو عنفها وحدة طبعها ، وصلت والدة أحمد مقر عملها وجاءت لتحكي لي هذا الذي سطرته لكم أعلاه ... وهنا أقول لوالدة أحمد ولكم أحبائي القراء:
عندما نقرر أن نتزوج رجالاً كنّا أم نساءً لا بد أن نُعد أنفسنا لهذه المهمة .. ولا بد أن نجيب على السؤال: هل أنا صالحة كزوجة؟ وأهم منه: هل أنا صالحة كأم؟
إن كنا منصفين فستكون الإجابة غالباً: أن هناك أوجه قصور وخلل ... ما العمل؟ وما العلاج؟ وما الحل؟ ......الحل هو أن نربي أنفسنا قبل وأثناء تربيتنا لأطفالنا .....
لكم التحية أعزائي القراء ودمتم في رعاية الله وحفظه .... سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .