قلبي لا يحتمل
أم غسان
( كان هنالك طفل عصبي وكان يفقد صوابه بشكل مستمر فأحضر له والده كيسا مملوءا بالمسامير وقال له: يا بني أُريدك أن تدق مسمارا في سياج حديقتنا الخشبي كلما اجتاحتك موجة غضب وفقدت أعصابك.
وهكذا بدأ الولد بتنفيذ نصيحة والده....
فدق في اليوم الأول 37 مسمار ، ولكن إدخال المسمار في السياج لم يكن سهلا .
فبدأ يحاول تمالك نفسه عند الغضب وبعدها وبــعد مرور أيام كان يدق مسامير أَقل ، وفي أسابيع تمكّن من ضبط نفسه .. وتوقف عن الغضب وعن دق المسامير
فجاء إلى والده وأَخبره بإنجازه ففرح الأب بهذا التحول . وقال له : ولكن عليك الآن يا بني باستخراج مسمار لكل يوم يمر عليك لم تغضب به.
وبدأ الولد من جديد بخلع المسامير في اليوم الذي لا يغضب فيه حتى انتهى من المسامير في السياج
فجاء إلى والده وأَخبره بإنجازه مرة أخرى ، فأخذه والده إلى السياج وقال له : يا بني إِنك حسناً صنعت ولكن أُنظر الآن إلى تلك الثقوب في السياج ، هذا السياج لن يكون أبداً كما كان ....)
قرأت هذه القصة وأنا اتصفح إحدى المواقع الإلكترونية وقد نقلتها لغيري كما هي دون حذف أو إضافة أو تعديل فكانت مثار استحسان وإعجاب
لكن هذا لم يمنعني من البوح بأن لي رأياً مختلفاً ... أتفق مع غيري في أن المثال الذي ضربه المؤلف كان مؤثراً وقد يبهر البعض... لكن القراءة الموضوعية المتأنية تتعدى هذا الانطباع الأولي فتعيد النظر مرات وكرات إلى أن تستطيع تحليل النص وتحريره من أجل الوقوف على صوابه وخطئه....
نحن أمة شرفها الله سبحانه حين اختط لها من فوق سبع سماوات منهج حياة لم يغفل فيه سبحانه عن شاردة ولا واردة ولا صغيرة ولا كبيرة ولا حقيرة ولا عظيمة...
قال عليه الصلاة والسلام : ( إياك وما يُعتذر منه ) الحديث لا يذم الاعتذار وينهى عنه كما قد يتبادر إلى الذهن وإنما المراد ذمّ ما قد يتطلب الاعتذار والتراجع ...
كلنا ذو خطأ ... ليس منا معصوم وهذا يعني ببساطة شديدة أن الخطأ وارد وواقع لا محالة
علينا أن نجتهد - حتى يأتينا اليقين - كي لا نغمط أحد حقه ، والحقوق ثلاثة : أعظمها حق الله عز وجل ثم حق النفس ثم حق الآخرين .... الحياة كلها والحساب في الآخرة مدارهما على رعاية هذه الحقوق وصيانتها .... لكن ثبت في الحديث فيما معناه ( والله لو لم تكونوا تذنبون فتسغفرون لأتى الله بغيركم يخطئ فيستغفر الله سبحانه فيغفر الله عز وجل له ) علينا حين نريد الخروج بالحكم الصواب في المسألة المعينة علينا أن نجمع فيها كل الأقوال الصحيحة المعتبرة حتى لا يكون الحكم مجتزئاً ومبتسراً ويوقع جمهور القراء في الشقاق والخلاف والأخير أمر تسعى الصحافة - المستندة إلى المنهج القويم – تسعى إلى اجتثاث جذوره وأصوله
جدير بالذكر أن المنهج أعلاه ليس منهج الفقه الإسلامي المعتبر فحسب بل هو منهج تعاطي الصحيح مِن وفي كل الأمور
التنظير يذم الخطأ ...
الواقع كثيراً ما يبرر حدوثه وحصوله ...
الجمع السليم هو الاجتهاد كي لا يقع ... فإذا ما وقع فالتوبة هي الجلاء وهي المخرج وهي المنقذ...
كاتب قصة الصبي الغضوب وقائل العبارة : (هذا السياج لن يكون أبداً كما كان ) ليس هذا القول على إطلاقه .... يمكننا إعادة السياج كما كان ( بالطلاء ) مثلاً ، وحتى لا يقول أحد أن هذا الإصلاح إنما هو في الظاهر فقط ، نقول له كذلك الباطن يمكننا إصلاحه ( بحشو) هذه الثقوب مثلاً .....
مقالك يا صاحبي ينّفر من الخطأ لكنه في ذات الوقت ييئس من وقع فيه ....
لنحرص على حفظ القلوب من الأذى ليس لأن رجوعها بعد التنافر أمر مستحيل ، لا لكنه أمر يحتاج جهداً ومشقة لا سيما إن كان من نُسِيء إليه ضيق الصدر ليس في قلبه سلامة لا يعينك على أن تطيع الله فيه ...
لكن إن جرحنا القلوب ... إن وقعنا في الخطأ أهذه نهاية العالم ؟؟؟؟
هي ليست دعوة للجرأة على المعاصي إنما هي دعوة أن ننظر إلى الأمور بعينين اثنتين لا بعين واحدة ترى الجزء وتعمى عن الكل ....
نحن نُسِيء إلى رب العالمين فيغفر ويصفح ويعفو ويسامح ويتجاوز !!!!!!
أبعد هذا يتكبر المخلوق الضعيف !!!!!
حقاً إن الإنسان ظلوم جهول .....